السبت، 13 أكتوبر 2012

يوميات اتنين متزوجين (عمر وسارة ) - الحلقة الرابعة عشر


يوميات اتنين متزوجين (عمر وسارة ) - الحلقة الرابعة عشر
قــال عمــر:
خفق قلبي بقوّة عندما رأيت سارة تدخل الصالون، كما كنت أفعل حين أراها أيام الخطوبة .. يا حبيبتي يا سارة، واضح أنـّها لم تنم مثلي، ووجهها متعب جداً .. لن أغضبك أبداً يا حبيبتي ..
وقطعت حبل أفكاري لأسترد وعيي ولأقول للجميع ما نويت عليه: أنا جاي النهاردة علشان أعتذر عن الكلام اللي قالته والدتي ليكم، وأنا باعتذر بالنيابة عنها، لأنـّني لا أقبل المساس بكرامة سارة، لأن كرامتها من كرامتي .. بس أنا جاي علشان كده .. وبعد إذنكم أستأذن لأن عندي مشوار مهم ..

قــالت ســارة:
قفز قلبي بين ضلوعي من الرعب .. ألن يصالحني عمر؟ .. طيب وبعدين؟ ..هل سيمشي حقاً؟
همـّت والدتي أن تلقي عليه مدفعية من العيار الثقيل، وما أن فتحت فمها حتى عرف أبي نيتها وعلم أنها ستشعل الوضع فقاطعها بصوت حازم: إيه يا حجـّة مش حتعملي قهوة للباشمهندس ولا إيه؟ .. ونظر لأمي نظرة نارية جعلها تنسحب في صمت ..
ثم استأذن هو الآخر ليجري مكالمة تليفونية طويييييييييييلة .. ربنا يخليك لي يا بابا ..
نظرت إلى عمر من طرف خفي بشوق .. آه كم أعشق هذا الرجل، وكم كبر في نظري عندما اعتذر عن كلام والدته السخيف .. أنا فعلا غلطانة غلطانة غلطانة ..
وأخيراً تكلـّم عمر ونظر إليّ بعتاب كبير لم أره من قبل: كويس كده إنّ الناس بتتفرج علينا؟ وإنتي اشتكتيني للجميع وأنا لم أحكي حتى لأمي؟
أنا: .........!؟
عمـر: أنا فعلاَ غلطان إني زعـّقت وكبـّرت الموضوع، بس إنتي بعتيني وسبتي البيت، وأنا مش ح انسي ده أبداً ..
رديت عليه هذه المرة: أنا غلطانة فعلاً .. بس أنا متعودة منك أنك تحتويني وتطبطب عليّا .. فجأة لقيتك بتهاجمني وأنا ميتة من التعب .. إتجننت .. أعمل إيه؟ ووالدتك كمان قالت كلام رهيب ..
ردّ بعصبية: خلاص أنا اعتذرت عن كلامها، أعمل إيه أكتر من كده؟ بس لازم تعرفي إني مش ح اسمح بالوضع ده تاني .. لو عاوزة تزعلي مني إبقي إقفلي على نفسك أوضة النوم واعتبري نفسك سبتي البيت .. مش نفرّج علينا الناس كده؟
رددّت بخجل وقد بدأت دموعي تنساب: خلاص أنا كمان غلطت يا عمر ..
لانت ملامحه برقـّة وقال لي بحنان: طيب إيه لازمة الدموع دي دلوقتي؟ ما تعيّطيش علشان ما تتعبيش يا سارة .. وبعدين كده أهون عليكي وتسيبيني لوحدي؟
فهممت أن أعاتبه ثانية، فدخل والدي وهو يبتسم إبتسامة حنون وكأنه سمعنا، وقال لي: يالاّ يا سارة من غير مطرود، قومي إلبسي هدومك علشان تروحي مع جوزك يا حبيبتي .. ومش عاوزين نشوفكم هنا إلا مع بعض .. مفهوم؟

قــالت ســارة:
وأخيراً دخلتُ بيتي وكأنـّني تركته من عشر سنين .. شعور رائع بالدفء غمرني عندما أحاطتني أركانه .. كم كنت غريبة خارجه، لن أتركه ثانية إن شاء الله ..
والتفت إلى عمر وأنا أتوقع خناقة طويلة، أو أوامر لا حصر لها، لأنه لم ينطق بكلمة في السيارة طوال الطريق، وشكله ينذر بعاصفة لا حدود لها .. ونظرت له صامتة أنتظر ما سيقوله ..
إنتظرت طويلاً حتى رفع رأسه لي أخيراً وقال لي جملة واحدة بحزم رهيب: أنا مش ح أسمح باللي حصل ده إنـّه يتكرر تاني، ولو مش عاوزة تسمعي كلامي بعد كده في أي موضوع يبقى مفيش لازمة نكمل مع بعض .. ثم تركني ودخل غرفته الصغيرة التي تحتوي على سريره القديم وهو شاب، ولم يدخل غرفة نومنا ..
ذهلت من عبارته القاسية، وارتجفت من القلق .. لم أتخيله غاضباً إلى هذا الحد .. لقد اعتدت منه على الغضب ثم الصفاء السريع، ثم يبادر هو لصلحي حتى لو كنت مخطئة .. إعتدت على حنانه حتى تماديت في عنادي، والآن أدفع الثمن ..
لم أجرؤ أن أدخل وراءه وأناقشه، وتركته ليهدأ .. ودخلت غرفة نومي وحاولت النوم قليلاً ولم أستطع، فالغرفة من دونه كأنها غرفة في الأسكيمو .. عرفت الآن لماذا جعل الله الهجر في المضاجع وسيلة لتأديب الزوجة .. ومرّت أيام ونحن على هذا الحال، لا يكلمني إلا كلمات معدودة، ولا ينظر إلى عينيّ وهو يحادثني .. آه ما أقساه من عقاب ..
حاولت مراراً أن أفتح معه الموضوع لأشعره أنـّني أخطأت، وأنـّني كنت متوترة من الحمل، وأنـّني لن أفشي أسرارنا ثانية أبداً .. بلا جدوى ..
كان لا يسمع، ويجعلني أصمت بحزم واضح .. حاولت أن أثنيه عن النوم في غرفة أخرى، بلا فائدة .. وكان يعود يجدني متزينة ومتعطرة، ولكن كأنـّني ألبس طاقية الاخفاء .. ماذا أفعل ياربي؟ .. ومازاد المشكلة أن ماما زعلانة مني لأنـّني رجعت إلى منزلي دون أن أجعلها ترد لي حقي وتقتلّي عمر وأمه .. وطبعاً حماتي لا تتـّصل أبداً، وشعرت أنـّها هي الأخرى زعلانة من عمر ومني طبعاً .. يعني إحنا كده كلنا عاوزين مجلس الأمن يصالحنا مع بعض ..

قــال عمــر:
لابد أن تعلم سارة أنـّني لا أقبل أن تستهين بي، ولابد أن تسمع كلامي .. الظاهر إنـّي دلعتها كتير، وهي اتعودت على كده .. لابد من وقفة حتى تستقيم الأمور ..
بس كده أنا حاسس إني بأقسو عليها جداً .. لا والله .. لا يمكن تكون قسوة .. فالرسول صلى الله عليه وسلم إعتزل زوجاته في المسجد عندما أثقلوا عليه في أمور الغيرة والإختلافات الصغيرة، حتى عادوا إلى سابق عهدهم ..
بس هيّ صعبانة عليّ جداً، ووحشاني جداً جداً .. لااااا .. إجمد ياعمر باشا وكمل دور سي السيد، واستحمل النوم على السرير السفاري الجبار ذو المرتبة الفولاذية لحد ما ربنا يسهـّل ..

قــالت ســارة:
طيب الشغل وأخدت أجازة منه.. وكلام وبأحاول أكلمه .. أعمل إيه تاني؟ .. الظاهر إني غلطت لما صالحته .. خلاص هو حر أنا عملت اللي عليّا .. عاوز يزعل براحته بقى ..
بس هو حبيبي برضه، وبافتكر لما بأكون أنا زعلانة منه بيعمل إيه علشان يصالحني .. يبقى أنا ما أتعـّبش نفسي شوية علشان أصالح حبيب عمري؟ أمال أتعب نفسي علشان مين؟!! .. أعمل إيه .. أعمل إيه؟
واخذت أفكر وأنا ألعب على الكومبيوتر لقطع الوقت حتى يأتي عمر .. ووقعت عيني على الطابعة وأنا ألعب، وفكـّرت أن أكتب له جواب اعتذار وأشرح فيه مشاعري له .. ولكنـّني وجدت فكرة أفضل ..
أخذت أكتب كلمة أنا آسفة بكل اللغات التي أعرفها: آسفة بالعربي، وسوري بالإنجليزي، وباردون بالفرنساوي، وأيّوووه حقك علينا يا جدع بالاسكندراني، ومعلهش بالصعيدي .. وأخذت أطبع من هذه العبارات الكثير، وطبعا لم أنسى أن أكتب عبارات جميلة مثل: والله العظيم بحبك .. و: ما كنتش أعرف إنـّك قاسي كده .. و: طيـّب أهون عليك؟!! .. وكتبت لوحتين كبيرتين علقت واحدة على باب حجرة نومه الصغيرة التي أكرهها وكتبت عليها: ممنوع الدخول .. والأخرى على باب غرفة نومنا معاً وكتبت عليها: الإتجاه إجباري .. وأخذت أعلـّق كل هذه الأوراق في كل مكان .. أكيد حيقول عليّا مجنونة لما يشوف المهرجان ده كله .. بس يمكن الجنان يصلـّح الشرخ اللي حصل بيننا ..
وانتظرت عمر طويلاً حتى جاء .. وطبعا ذُهل من دار النشر اللي أنا عاملاها في البيت .. ونظر إليّ وابتسم ابتسامة عريضة لم أرها من أيام طويلة .. فجريت إليه وتعلقت برقبته كالطفلة الصغيرة، وهمست في أذنه: مش ح اعمل كده تاني .. أنا ما أقدرش أعيش وإنت زعلان مني كده ..
ضمني إليه وقد زال كل غضبه، وجلسنا وقال أخيراً وهو يبتسم: إنتي حتفضلي مجنونة كده على طول؟ كل ده عملتيه علشان تصالحيني؟
قلت بدلال: يعني انت مش زعلان مني .. مش كده؟
قال: أنا مقدرش أزعل منك خلاص .. بس لسـّه فيه نقطة صغيرة؛ موضوع الشغل ده أنا مش ح أرجع في كلامي فيه .. لا يمكن أعرضك للخطر إنتي وإبني تاني .. إنتو الإتنين أغلى حاجة عندي .. إتفقنا؟
هممت بالإعتراض، ولكنـّني لم أستطع، وقلت على مضض: حاضر .. بس أنا ما اتعودتش على قعدة البيت يا عمر .. بجد ح أموت من الملل، وبعدين حنلحـّق على مصاريفنا منين يا حبيبي؟
قال: بصي .. أنا فكـّرت في حل يريحنا كلنا .. بس إدعي ربنا إنـّه يحصل .. فيه واحد عندنا في الشركة كل شغله إنـّه يرد على العملاء من خلال الإيميلات، وإنـّه يجري أبحاث على النت ليحصل على أفضل عروض للشركة، من خلال مقارنة مواقع الشركات الثانية بشركتنا .. يعني كل شغله على الإنترنت .. وكتير ماكانش بييجي ويبعت التقارير دي من البيت .. لأنه بيؤدي المطلوب منه وخلاص، لأن وجوده في الشركة غير ضروري .. هوّ الأيام دي جاي له عقد عمل في الخليج، وبيفكر جدياً إنـّه يوافق عليه .. فلو ده حصل ح أحاول أقنع المدير إنـّه يسلـّم الشغل ده ليكي تعمليه من البيت .. وح أقنعه إنـّك ولا بيل جيتس في زمانه .. هو صحيح راتبها أقل من مرتبك القديم، بس ح تترحمي من بهدلة المواصلات .. قولتي إيه؟ أقول له ولا إنتي مش موافقة؟
رددت بفرح كبير: مش موافقة؟؟!! دي وظيفة تجنـّن .. بس يارب صاحبك يسافر والمدير بتاعك يوافق .. بس مين ح يعلمني الحواديت دي كلها؟ أنا بأعرف أشتغل على الكومبيوتر والنت كويس بس ما أعرفش العملاء والمنافسين والأفلام دي؟ مين اللي ح يعلمني؟
وكان رده جاهز على طول: أنا يا حبيبة قلبي ..

-----------------