السبت، 13 أكتوبر 2012

يوميات اتنين متزوجين (عمر وسارة ) - الحلقة الرابعة عشر


يوميات اتنين متزوجين (عمر وسارة ) - الحلقة الرابعة عشر
قــال عمــر:
خفق قلبي بقوّة عندما رأيت سارة تدخل الصالون، كما كنت أفعل حين أراها أيام الخطوبة .. يا حبيبتي يا سارة، واضح أنـّها لم تنم مثلي، ووجهها متعب جداً .. لن أغضبك أبداً يا حبيبتي ..
وقطعت حبل أفكاري لأسترد وعيي ولأقول للجميع ما نويت عليه: أنا جاي النهاردة علشان أعتذر عن الكلام اللي قالته والدتي ليكم، وأنا باعتذر بالنيابة عنها، لأنـّني لا أقبل المساس بكرامة سارة، لأن كرامتها من كرامتي .. بس أنا جاي علشان كده .. وبعد إذنكم أستأذن لأن عندي مشوار مهم ..

قــالت ســارة:
قفز قلبي بين ضلوعي من الرعب .. ألن يصالحني عمر؟ .. طيب وبعدين؟ ..هل سيمشي حقاً؟
همـّت والدتي أن تلقي عليه مدفعية من العيار الثقيل، وما أن فتحت فمها حتى عرف أبي نيتها وعلم أنها ستشعل الوضع فقاطعها بصوت حازم: إيه يا حجـّة مش حتعملي قهوة للباشمهندس ولا إيه؟ .. ونظر لأمي نظرة نارية جعلها تنسحب في صمت ..
ثم استأذن هو الآخر ليجري مكالمة تليفونية طويييييييييييلة .. ربنا يخليك لي يا بابا ..
نظرت إلى عمر من طرف خفي بشوق .. آه كم أعشق هذا الرجل، وكم كبر في نظري عندما اعتذر عن كلام والدته السخيف .. أنا فعلا غلطانة غلطانة غلطانة ..
وأخيراً تكلـّم عمر ونظر إليّ بعتاب كبير لم أره من قبل: كويس كده إنّ الناس بتتفرج علينا؟ وإنتي اشتكتيني للجميع وأنا لم أحكي حتى لأمي؟
أنا: .........!؟
عمـر: أنا فعلاَ غلطان إني زعـّقت وكبـّرت الموضوع، بس إنتي بعتيني وسبتي البيت، وأنا مش ح انسي ده أبداً ..
رديت عليه هذه المرة: أنا غلطانة فعلاً .. بس أنا متعودة منك أنك تحتويني وتطبطب عليّا .. فجأة لقيتك بتهاجمني وأنا ميتة من التعب .. إتجننت .. أعمل إيه؟ ووالدتك كمان قالت كلام رهيب ..
ردّ بعصبية: خلاص أنا اعتذرت عن كلامها، أعمل إيه أكتر من كده؟ بس لازم تعرفي إني مش ح اسمح بالوضع ده تاني .. لو عاوزة تزعلي مني إبقي إقفلي على نفسك أوضة النوم واعتبري نفسك سبتي البيت .. مش نفرّج علينا الناس كده؟
رددّت بخجل وقد بدأت دموعي تنساب: خلاص أنا كمان غلطت يا عمر ..
لانت ملامحه برقـّة وقال لي بحنان: طيب إيه لازمة الدموع دي دلوقتي؟ ما تعيّطيش علشان ما تتعبيش يا سارة .. وبعدين كده أهون عليكي وتسيبيني لوحدي؟
فهممت أن أعاتبه ثانية، فدخل والدي وهو يبتسم إبتسامة حنون وكأنه سمعنا، وقال لي: يالاّ يا سارة من غير مطرود، قومي إلبسي هدومك علشان تروحي مع جوزك يا حبيبتي .. ومش عاوزين نشوفكم هنا إلا مع بعض .. مفهوم؟

قــالت ســارة:
وأخيراً دخلتُ بيتي وكأنـّني تركته من عشر سنين .. شعور رائع بالدفء غمرني عندما أحاطتني أركانه .. كم كنت غريبة خارجه، لن أتركه ثانية إن شاء الله ..
والتفت إلى عمر وأنا أتوقع خناقة طويلة، أو أوامر لا حصر لها، لأنه لم ينطق بكلمة في السيارة طوال الطريق، وشكله ينذر بعاصفة لا حدود لها .. ونظرت له صامتة أنتظر ما سيقوله ..
إنتظرت طويلاً حتى رفع رأسه لي أخيراً وقال لي جملة واحدة بحزم رهيب: أنا مش ح أسمح باللي حصل ده إنـّه يتكرر تاني، ولو مش عاوزة تسمعي كلامي بعد كده في أي موضوع يبقى مفيش لازمة نكمل مع بعض .. ثم تركني ودخل غرفته الصغيرة التي تحتوي على سريره القديم وهو شاب، ولم يدخل غرفة نومنا ..
ذهلت من عبارته القاسية، وارتجفت من القلق .. لم أتخيله غاضباً إلى هذا الحد .. لقد اعتدت منه على الغضب ثم الصفاء السريع، ثم يبادر هو لصلحي حتى لو كنت مخطئة .. إعتدت على حنانه حتى تماديت في عنادي، والآن أدفع الثمن ..
لم أجرؤ أن أدخل وراءه وأناقشه، وتركته ليهدأ .. ودخلت غرفة نومي وحاولت النوم قليلاً ولم أستطع، فالغرفة من دونه كأنها غرفة في الأسكيمو .. عرفت الآن لماذا جعل الله الهجر في المضاجع وسيلة لتأديب الزوجة .. ومرّت أيام ونحن على هذا الحال، لا يكلمني إلا كلمات معدودة، ولا ينظر إلى عينيّ وهو يحادثني .. آه ما أقساه من عقاب ..
حاولت مراراً أن أفتح معه الموضوع لأشعره أنـّني أخطأت، وأنـّني كنت متوترة من الحمل، وأنـّني لن أفشي أسرارنا ثانية أبداً .. بلا جدوى ..
كان لا يسمع، ويجعلني أصمت بحزم واضح .. حاولت أن أثنيه عن النوم في غرفة أخرى، بلا فائدة .. وكان يعود يجدني متزينة ومتعطرة، ولكن كأنـّني ألبس طاقية الاخفاء .. ماذا أفعل ياربي؟ .. ومازاد المشكلة أن ماما زعلانة مني لأنـّني رجعت إلى منزلي دون أن أجعلها ترد لي حقي وتقتلّي عمر وأمه .. وطبعاً حماتي لا تتـّصل أبداً، وشعرت أنـّها هي الأخرى زعلانة من عمر ومني طبعاً .. يعني إحنا كده كلنا عاوزين مجلس الأمن يصالحنا مع بعض ..

قــال عمــر:
لابد أن تعلم سارة أنـّني لا أقبل أن تستهين بي، ولابد أن تسمع كلامي .. الظاهر إنـّي دلعتها كتير، وهي اتعودت على كده .. لابد من وقفة حتى تستقيم الأمور ..
بس كده أنا حاسس إني بأقسو عليها جداً .. لا والله .. لا يمكن تكون قسوة .. فالرسول صلى الله عليه وسلم إعتزل زوجاته في المسجد عندما أثقلوا عليه في أمور الغيرة والإختلافات الصغيرة، حتى عادوا إلى سابق عهدهم ..
بس هيّ صعبانة عليّ جداً، ووحشاني جداً جداً .. لااااا .. إجمد ياعمر باشا وكمل دور سي السيد، واستحمل النوم على السرير السفاري الجبار ذو المرتبة الفولاذية لحد ما ربنا يسهـّل ..

قــالت ســارة:
طيب الشغل وأخدت أجازة منه.. وكلام وبأحاول أكلمه .. أعمل إيه تاني؟ .. الظاهر إني غلطت لما صالحته .. خلاص هو حر أنا عملت اللي عليّا .. عاوز يزعل براحته بقى ..
بس هو حبيبي برضه، وبافتكر لما بأكون أنا زعلانة منه بيعمل إيه علشان يصالحني .. يبقى أنا ما أتعـّبش نفسي شوية علشان أصالح حبيب عمري؟ أمال أتعب نفسي علشان مين؟!! .. أعمل إيه .. أعمل إيه؟
واخذت أفكر وأنا ألعب على الكومبيوتر لقطع الوقت حتى يأتي عمر .. ووقعت عيني على الطابعة وأنا ألعب، وفكـّرت أن أكتب له جواب اعتذار وأشرح فيه مشاعري له .. ولكنـّني وجدت فكرة أفضل ..
أخذت أكتب كلمة أنا آسفة بكل اللغات التي أعرفها: آسفة بالعربي، وسوري بالإنجليزي، وباردون بالفرنساوي، وأيّوووه حقك علينا يا جدع بالاسكندراني، ومعلهش بالصعيدي .. وأخذت أطبع من هذه العبارات الكثير، وطبعا لم أنسى أن أكتب عبارات جميلة مثل: والله العظيم بحبك .. و: ما كنتش أعرف إنـّك قاسي كده .. و: طيـّب أهون عليك؟!! .. وكتبت لوحتين كبيرتين علقت واحدة على باب حجرة نومه الصغيرة التي أكرهها وكتبت عليها: ممنوع الدخول .. والأخرى على باب غرفة نومنا معاً وكتبت عليها: الإتجاه إجباري .. وأخذت أعلـّق كل هذه الأوراق في كل مكان .. أكيد حيقول عليّا مجنونة لما يشوف المهرجان ده كله .. بس يمكن الجنان يصلـّح الشرخ اللي حصل بيننا ..
وانتظرت عمر طويلاً حتى جاء .. وطبعا ذُهل من دار النشر اللي أنا عاملاها في البيت .. ونظر إليّ وابتسم ابتسامة عريضة لم أرها من أيام طويلة .. فجريت إليه وتعلقت برقبته كالطفلة الصغيرة، وهمست في أذنه: مش ح اعمل كده تاني .. أنا ما أقدرش أعيش وإنت زعلان مني كده ..
ضمني إليه وقد زال كل غضبه، وجلسنا وقال أخيراً وهو يبتسم: إنتي حتفضلي مجنونة كده على طول؟ كل ده عملتيه علشان تصالحيني؟
قلت بدلال: يعني انت مش زعلان مني .. مش كده؟
قال: أنا مقدرش أزعل منك خلاص .. بس لسـّه فيه نقطة صغيرة؛ موضوع الشغل ده أنا مش ح أرجع في كلامي فيه .. لا يمكن أعرضك للخطر إنتي وإبني تاني .. إنتو الإتنين أغلى حاجة عندي .. إتفقنا؟
هممت بالإعتراض، ولكنـّني لم أستطع، وقلت على مضض: حاضر .. بس أنا ما اتعودتش على قعدة البيت يا عمر .. بجد ح أموت من الملل، وبعدين حنلحـّق على مصاريفنا منين يا حبيبي؟
قال: بصي .. أنا فكـّرت في حل يريحنا كلنا .. بس إدعي ربنا إنـّه يحصل .. فيه واحد عندنا في الشركة كل شغله إنـّه يرد على العملاء من خلال الإيميلات، وإنـّه يجري أبحاث على النت ليحصل على أفضل عروض للشركة، من خلال مقارنة مواقع الشركات الثانية بشركتنا .. يعني كل شغله على الإنترنت .. وكتير ماكانش بييجي ويبعت التقارير دي من البيت .. لأنه بيؤدي المطلوب منه وخلاص، لأن وجوده في الشركة غير ضروري .. هوّ الأيام دي جاي له عقد عمل في الخليج، وبيفكر جدياً إنـّه يوافق عليه .. فلو ده حصل ح أحاول أقنع المدير إنـّه يسلـّم الشغل ده ليكي تعمليه من البيت .. وح أقنعه إنـّك ولا بيل جيتس في زمانه .. هو صحيح راتبها أقل من مرتبك القديم، بس ح تترحمي من بهدلة المواصلات .. قولتي إيه؟ أقول له ولا إنتي مش موافقة؟
رددت بفرح كبير: مش موافقة؟؟!! دي وظيفة تجنـّن .. بس يارب صاحبك يسافر والمدير بتاعك يوافق .. بس مين ح يعلمني الحواديت دي كلها؟ أنا بأعرف أشتغل على الكومبيوتر والنت كويس بس ما أعرفش العملاء والمنافسين والأفلام دي؟ مين اللي ح يعلمني؟
وكان رده جاهز على طول: أنا يا حبيبة قلبي ..

-----------------

الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

يوميات اتنين متزوجين (عمر وسارة ) - الحلقة الثالثة عشر


يوميات اتنين متزوجين (عمر وسارة ) - الحلقة الثالثة عشر
قــالت ســارة:
عندما وصلت لباب بيت والدي أحسست أنـّني أفقت من نوبة الجنون التي كانت تتملكني، وكأن إنسانة أخرى هي التي كانت تتحدث وتصرخ .. أحسست أنـّني هدأت وأفقت، وترددت هل أضرب الجرس أم لا .. معقول .. طيب أرجع؟! وحيبقي شكلي إيه أمام عمر؟!! .. طيب إزاي ح أحكي لماما وبابا وإخواتي والدنيا كلها مشاكلي مع عمر بهذه البساطة؟ بس هو باعني وغروره منعه إنه حتى ينده عليّا .. إنهمرت دموعي ثانية عندما تذكرت هذا ورننت الجرس ..
صرخت أمي عندما رأتني في هذا الحال المرعب شاحبة منهكة، عيناي مصبوغة بلون الدم، ووجهي متورم من كثرة البكاء، وقالت: إيه يا سارة يا حبيبتي مالك؟ فيه حاجة حصلت للبيبي؟ .. فقلت في سري: هو كل الناس بتسأل على البيبي وأنا أتحرق؟ .. ولم أستطع الرد، ودخلت البيت وارتميت على أقرب كرسي، وجاء أبي واحتضنني وهو يقرأ على رأسي آيات من القرآن ويهدهدني كالطفلة الصغيرة .. آه لو يعامل كل رجل زوجته كأنها ابنته، لعاشت النساء في الجنة .. وكأنه علم ما بي بدون أن يسأل، فأمر أمي أن تأخذني إلى غرفتي القديمة لأستريح .. هكذا بدون أن يسألني سؤال واحد، بعكس أمي التي انهالت عليّ بالأسئلة من ساعة ما دخلت الشقة ..
ودخلت غرفتي القديمة، وأحسست بغربة أول ما دخلتها .. وللحظة شعرت ببرودة شملتني، واشتقت لدفء شقتي .. كيف أشعر هكذا وهذه هي غرفتي التي ضمتني لأكثر من عشرين عاماً؟!! .. سبحان الله .. وأفقت على صراخ أمي لي: يا سارة وقّعتي قلبي قولي إيه اللي حصل؟ إنتي اتخانقتي إنتي وعمر؟
قلت: أيوة يا ماما .. وسبت له البيت ..
فدقت على صدرها بجزع وقالت لي: ليه كده يا بنتي؟ .. هو فيه واحدة عاقلة تعمل كده؟ طيب أنا متجوزة أبوكي من 25 سنة، عمرك شفتيني سبت له البيت ومشيت؟! هو ده اللي أنا علّمتهولك؟
فوجئت بموقف أمي المهاجم، وكنت أتخيل أنها ستصب جام غضبها على عمر، واضطررت أن أحكي لها كل شيء .. وانتظرت رد فعلها، فسكتت طويلاً وردت على بهدوء: عاوزة رأيي؟ .. إنتوا الإتنين غلطانين، وإنتي غلطانة أكتر ..
فرددّت بغضب: ليه بقى؟ .. يبقي أنا عاملة حادثة وبأموت وييجي يزعق لي ويهددني كمان؟
قالت ماما: إهدي يا سارة يا حبيبتي .. أنا ح أقول لك إنتي غلطانة ليه .. أولاً علشان سيبتي بيتك .. وثانياً لأنك من أول الحمل وإنتي عصبية جداً ومش بتطيقي كلمة واحدة، فكبرتي الموضوع بدون داعي .. أنا عارفة إن ده غصب عنك، بس لازم تهدي شوية .. وكمان إنـّك كل شوية تقوليله باساعدك باساعدك ودي حاجة تجرح كرامة أي راجل، فعاند معاكي هو كمان ..
قلت أنا: ياسلام .. يعني طلعت أنا اللي غلطانة وعمر باشا هو الغلبان المظلوم ..
قالت ماما: لا يا ستي .. هو كمان غلطان إنـّه عاند معاكي، وإنـّه سابك تنزلي وإنتي زعلانة كده .. بس أنا مش عاوزة أتدخل علشان ما أكبرش الموضوع .. إقعدي ارتاحي شوية، وبعدين إرجعي بيتك علشان الموضوع ما يكبرش ..
فنظرت لها بذهول وقلت: إيه؟ أرجع بيتي كمان؟ .. إنتي اللي بتقولي كده ياماما؟!! يعني عاوزاني أرجعله وكرامتي تتبهدل أكتر من كده؟ طيب أروح فين يا ربي؟ إنتو كمان مش عاوزني في بيت أبويا؟
فنظرت إليّ أمي باشفاق، وكأنها تنظر إلى مجنونة وقالت لي بحنان: طيب يا حببيتي إرتاحي شوية وربنا يحلها من عنده إن شاء الله ..
وارتميت في حضنها وبكيت مرة أخرى ..

قــال عمــر:
البيت وحش أوي من غير سارة .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. ليه كل ده؟ طيب أتصل بيها؟
لا .. مش ممكن .. دي جرحتني وباعتني في لحظة .. وكل شوية تمنّ عليّا إنها بتساعدني .. أنا مش عارف إيه اللي جرى بس ..
طيب أروح لها بيت والدها؟ لا .. ده كده تبقى هيّ اللي غلطت فيّا وأهانتني وكمان أروح أصالحها؟ ده أنا ما أقدرش أبص في عينيها تاني .. خلاص هي اللي سابت البيت يبقى هي اللي ترجعله لوحدها ..

قــالت ســارة:
إستيقظت من نومي المتقطع لأشعر أنـّني لم أنم، وإنما كنت أحارب من أحلامي المزعجة التي رأيتها .. وأول ما استيقظت نظرت على الموبيل لأرى هل عمر إتصل بي أم لا؟ وحزنت عندما لم يحاول الإتصال ولا أرسل حتى رسالة إعتذار ..
ما أصعب أن يجرح الرجل كرامة حبيبته .. والأصعب إنتظارها حتى يرد لها كرامتها ..
ماذا أفعل الآن؟ .. ماذا لو لم يأتي عمر لصلحي؟ هل سأعود وحدي؟ لا يمكن ..
أخيراً عرفت ماما ليه ماكانتش بتسيب البيت مهما زعلت مع والدي، كي لا تضع نفسها في موقفي المحرج ..
وخرجت إلى الصالة لأجد جميع أفراد أسرتي ينظرون اليّ باشفاق، وخجلت من موقفي، وحاول أبي التسرية عنـّي ومداعبتي، ولكنـّني سمعت صوت أمي عالياً تتحدث تلفونياً في الصالون .. فدخلت عليها كالسهم وظننتها تتشاجر مع عمر .. ويا ليتها فعلت، فقد وجدتها تتحدث مع حماتي ..
ياللكارثة .. إنقلب الموضوع لحرائق بالطبع .. واضح إن حماتي تسدد كلمات نارية لأمي، وإنها كالمعتاد تلقي اللوم عليّا ..
كده يا عمر لحقت قلت لها؟!! طيب ما أنا كمان قلت لماما .. اشمعنى هو يعني اللي حيطلع عاقل؟
وأخيراً ألقت أمي السماعة بعنف وهي تغلي من الغضب وتقول: أنا غلطانة اللي كلمتها علشان تهدي الموضوع، دي عاوزة تخرب البيت وخلاص .. قال وبتقول عليكي إنـّك متدلعة ومش مهتمة ببيتك ولا جوزك .. قال وأنا اللي كنت بأقولك إخزي الشيطان وارجعي بيتك .. طيب لو البيه إبنها ماجاش يصالحك ويبوس على راسك كمان عمره ما حيشوفك تاني وحيشوف شغله معايا أنا ..
سألتها: هوّ عمر اللي اشتكي لها مني ولا انتي اللي قلتيلها ياماما؟
ردت: لا يا ستي أنا اللي قلتلها .. هو ما قالش حاجة ..
فرددت بندم وأنا اغالب البكاء: ربنا يخليكي ياماما ..

قــال عمــر:
سألت أمي وأنا أكلمها في التلفون: ليه يا ماما بس تقولي لأم سارة الكلام ده كله؟ هو أنا عمري اشتكيتلك منها؟
ردت وقالت: هو انت من ساعة ما اتجوزت وانت بتحكيلي على حاجة خالص؟ بقى مراتك تغضب وتسييب البيت وأنا ماأعرفش؟ وكمان زعلان إني رديت عليهم؟
قلت: ياماما حضرتك كده كبرتي الموضوع، وإنتي عارفة سارة قد إيه محترمة وبنت ناس .. بس هي الحمل اللي تاعب أعصابها شوية ..
ردت بغضب بالغ من دفاعي عن سارة: أنا اللي كبـّرت الموضوع؟! والمحترمة بنت الناس اللي سابت بيتها وراحت اشتكتك للناس ما كبرتش الموضوع؟
لم أستطع الرد عليها وقلت في سري: كده يا سارة تصغريني قدام الكل؟ .. ورديت على ماما وقلت: ياماما حقك عليّ بس حضرتك كده خلتينا إحنا كمان غلطانين .. وأنا دلوقتي مش عارف أعمل إيه؟
قالت بعنف: روح صالح ست الحسن والجمال بتاعتك .. وأغلقت السماعة في وجهي ..
لا إله إلا الله .. أعمل إيه أنا دلوقتي في المصيبة دي؟ .. العيلتين وقعوا في بعض كل ده من دلعك يا ست سارة ..
بس ماما خلتني لازم أعتذر لها عن كلامها اللي قالته .. كمان لازم ما أوطيش لها علشان تعرف إنها هي اللي غلطانة، وأحاسبها إنها طلّعت أسرارنا للناس ..
طيب أروح ولاّ ما أروحش؟!!
أنا لم أنم لحظة من ساعة ما سابت البيت إمبارح .. وكأنـّها أخذت الحياة معها وتركت البيت قبراً .. خلاص أنا أعمل كلام ماما ده حجة إني أصالحها .. رب ضارة نافعة .. بس برضه حاعرّفها أنا مين ..

قــالت ســارة:
كده يا عمر أهون عليك؟ تسيبني يوم وليلة كاملين من غير ما تسأل عليّا ولو بالتليفون؟ .. وكلام حماتي اللي يحرق الدم ..
بس بجد أنا اللي غلطانة، أهو دلوقتي حماتي مش طايقاني، وماما مش طايقة عمر .. أنا فعلا اللي غلطانة جداً إني سبت بيتي .. ياما مرّت علينا أنا وعمر خناقات أصعب من دي، وكنت بأخاصمه شوية وكان دايماً هو اللي بيصالحني حتى لو أنا اللي غلطانة .. كويس كده الرمية اللي أنا مرمياها دي؟
طيب لو ركبه العند زيادة حاعمل إيه؟ .. أنا عرفت ليه دلوقتي ليه طاعة الزوج ربنا وصـّى عليها لدرجة ألا تسجد المرأة لمخلوق بعد الله إلا لزوجها ..
سبحان الله .. ربنا عمل كده علشان يصون كرامة المرأة وليس الرجل وحده، بأن يجعلها مصانة في بيتها ولا تكون ضيفة ثقيلة على الناس، وتنشر أسرارها للجميع .. والله أشعر أنـّني عرّيت نفسي أمام الكل .. وزوجي هو الوحيد ستري وعزي وكرامتي .. حتى الأهل حبـّهم من النوع المدمر، الذي يبحث عن كرامة البنت وليس عن بقاء بيتها .. وأنا كان ممكن أُشعر عمر إنـّه غلطان بألف وسيلة وأنا في بيتي بدون الجنان اللي عملته ده .. هوّ يعني البنت قبل الجواز بتسيب بيت والدها لما تزعل؟ .. يارب سامحني .. لن أفعلها أبداً مهما حدث ..
واخذت أستغفر الله كثيراً وأدعوه أن يحلّ هذا الوضع المعقـّد، حتى جاءت إجابة دعائي أسرع مما توقعت ..
جاءني نداء أختي الصغيرة إليّ مثل نشرة الأخبار: أبيه عمر جه يا أبلة سارة، وحاطط برفان كتير أوي ..
فقفزت من السرير وأنا أشعر أن كل جزء في جسدي يرتعش ويرقص .. يا حبيبي يا عمر، ماقدرش على بعدي .. أحمدك يارب ..
غيّرت ملابسي بسرعة، وغسلت وجهي الذابل من كثرة الدموع، وخرجت بسرعة قبل أن تتشاجر معه أمي ..

-----------------

يوميات اتنين متزوجين (عمر وسارة ) - الحلقة الثانية عشر


يوميات اتنين متزوجين (عمر وسارة ) - الحلقة الثانية عشر
قــالت ســارة:
مر أكثر من شهرين على الحمل، إحساس لا يوصف، لا يضاهيه إحساس آخر، كنـّا ونحن صغار نفرح ببعض حبات الفول عندما نزرعها بأيدينا ونراقبها بالساعات وهي تكبر شيئاً فشيئاً، ونغضب عندما يتخلص منها أحد الكبار كالمعتاد وكأنه قتل جزءاً منا .. الآن هذا الإحساس أشعر به، ولكن بداخل جسدي .. نبضٌ صغيرٌ ينمو، خلية خلية بداخلي .. يتنفس من أنفاسي، ويقاسمني الطعام، ويفرح معي ويحزن معي .. رغم أني لا أشعر بحركته بعد، ولا بطني إنتفخت، لكن أشعر به في كل لحظة كياناً داخل كياني .. رغم ما أعانيه من تعب وإرهاق كبير جداً، من دوار مستمر، ورغبة دائمة في النوم الذي لا ينتهي، ورؤية الطعام كالعدو اللدود، وما يصاحب هذا من خناقات مع عمر وماما لي كي آكل رغماً عن أنفي، لأني بقيت اتنين دلوقتبي مش واحد .. لكنـّني أشعر أنـّني أصبحت إنسانة مختلفة في كل شيء .. مزاجي مختلف، أتوتر بسهولة شديدة، أقلق سريعاً، وللأسف أصبحت عصبية لدرجة لم أكن أتخيلها ..
لم أربط بين هذه التغيرات وبين الحمل إلا عندما رأتني صديقتي في العمل أسبب مشكلة لا داعي لها من عصبيتي الزائدة، فأخبرتني أن كثيراً من النساء يؤثر عليهم الحمل مثلي .. وقرأت في هذا الموضوع لأجد بعض حالات تتغير مزاجاتهم وشخصياتهم تماماً في فترة الحمل .. ماشاء الله، أنا أولد من هنا وأروح السراية الصفرا عدل ..

قــال عمــر:
سارة أصبحت عصبية جداً الأيام دي .. لا تطيق كلمة حتى ولو هزار، وتقلب الموضوع خناقة وحدوتة .. وأنا مقدّر تغيرها من الحمل ولا أحاول أن أعقد الموضوع .. وأصدقائي يؤكدون لي أن هذا شيء عادي ويقصون لي حواديت على الجنان الأصلي اللي شافوه على يد زوجاتهم في فترة الحمل .. لكن بجد تعبت، ووحشتني سارة حبيبتي الوديعة التي تغفر لي كل أخطائي وأتمتع بأنوثتها ورقتها .. لكني أعذرها فهذه ليست طباعها الأصلية، ولابد أن أتحملها فهي تحمل إبني الذي أتمناه من الله .. ربنا يهديها قبل ما أتجنن أنا ..
قــالت ســارة:
أنا بجد زهقت من كتر النصايح اللي باسمعها ليل ونهار من جميع البشر ..
لازم تاكلي كذا ..
ولازم تنامي بالطريقة دي ..
ولازم تمشي كده ..
ولازم ولازم ولازم ..
وكأن الحامل دي إنسانة فاقدة العقل ومستنية بنات الصين يقولولها تعمل إيه .. وأكبر مشكلة بتواجهني في الحمل هي شغلي .. أنا كنت قادرة أوفّق بالعافية بين الشغل والبيت، لكن دلوقتي بجد تعبت .. صحتي ضعفت من الحمل، وهي أصلاً ضعيفة، والمشوار المحترم اللي باخده كل يوم يكاد يميتني من كثرة المطبات التي أشعر أنها تسحب روحي معها .. ولكن ماذا أفعل؟
أنا وعمر لا نستطيع أن نستغني عن عملي في الوقت الحاضر من الناحية المادية .. وحتى لو استطعنا فأنا لا أتخيل نفسي ربة منزل؛ أصحى الظهر وأرغي في التليفون في آخر وصفات الطبيخ، وأخبار العيال .. أشعر بالإختناق من مجرد الفكرة .. ولا أريد أن أفكر فيها .. لكني في نفس الوقت خايفة على البيبي وحاسة بالذنب مما أعرضه له .. يارب ساعدني ..

قــال عمــر:
غريبة أول مرة أدخل البيت ولا تستقبلني سارة كالمعتاد .. سارة .. سارة .. إنتي فين يا حبيبتي؟
جاءني صوتها ضعيفاً من حجرة النوم، فطرت إليها وأنا أرتجف من الخوف، فوجدتها مازالت بملابس الخروج شاحبة ولون وجهها يحاكي وجوه الموتى .. جريت عليها وأنا أصرخ: مالك يا سارة فيه إيه؟
فردت بضعف: الحمد لله .. أنا كويسة، ما تقلقش يا عمر ..
قلت بلهفة: كويسة؟ إيه يا حبيبتي ده .. إنتي بتموتي!! إيه اللي حصل؟ ردي عليّ بسرعة؟ ولاّ أقولك، حاجيب ليكي مسكّن وعصير تشربيه الأول، وارفعي رجليكي على المخدات دي علشان تفوقي شوية ..

قــالت ســارة:
أخذتُ الدواء وشربت العصير وشعرت أنـّني أفضل حالاً مما كنت عليه، فشكرت عمر وقلت له: أنا كويسة ما تقلقش ..
قال لي: ألف سلامة عليكي يا حبيبتي .. إيه اللي حصل؟
رديت: مفيش حاجة .. وأنا راجعة من الشغل وراكبة المواصلات السوّاق عمل حادثة وخبط في عربية كانت قدامه، وعمل اهتزاز عنيف في عربيتنا طبعاُ، لدرجة إننا وقعنا من على الكراسي .. وبعدها حسيت إني دخت جداً .. وحسيت بمغص جامد أوي وألم حاد في ظهري من الوقعة .. لكن الحمد لله، أنا كويسة دلوقتي، والبركة في ربنا وبعدين فيك ..
سمعني عمر وأنا أحكي الموضوع بمنتهي البساطة وهو يغلي من الغيظ فرد بعصبية: يعني إيه كويسة؟ كنتي ح تموتي إنتي واللي في بطنك وتقولي كويسة؟!!
قلت بسرعة: ما تكبرش الموضوع يا عمر، مفيش حاجة؟
رد بعصبية: لا طبعاً فيه .. لما تصرّي على شغلك وإنتي كل يوم بتركبي ميت عربية وإنتي حامل يبقي فيه ألف مشكلة .. أنا كام مرة قلتلك بلاش الشغل ده؟ كويس كده لما يحصل لك إجهاض؟
فرددت باستفزاز: يعني إنت خايف على اللي في بطني مش عليّ أنا؟
قال: والله من حقي إني أخاف وأنا شايفك بتستهتري بيه كده .. ده إبني برضه ..
فجننت من رده وصرخت: باستهتر؟ هو أنا كنت رايحة السينما ولا النادي؟ مش الشغل؟ وبعدين مرتبي ده بأعمل بيه إيه؟ باشتري بيه ماكياج وبرفانات؟ ولا كله على البيت وبأساعدك في مصاريفه؟ وفي الآخر تقول لي بتستهتري؟
فصرخ فيّ: هو إنتي كل ما تتكلمي تقولي لي أنا بأصرف وبأساعدك؟ طيب إيه رأيك بقى ده آخر يوم ليكي في الشغل؟
فرددت بعند هائل لا أعرف من أين أتاني: مش ممكن طبعاً ..
فجن من ردي وأصبح انسان آخر: مش ممكن؟!! يعني مش بتسمعي كلامي؟!! طيب يا سارة لما أشوف كلامي ح يتنفذ ولاّ لأ؟ اختاري دلوقتي حالاً .. يا أنا يا الشغل ..
تملّكني الشيطان تماماً وأعماني الغضب وأنا أنفجر فيه بطريقة لم يسمعها مني من قبل: الشغل يا عمر!! إيه رأيك بقى؟ أنا خلاص زهقت من أوامرك وتحكماتك فيّا كانك اشتريتني .. زهقت من حياتي كلها ومش قادرة أستحمل أكثر من كده .. ونفسي أسيب البيت ده اللي أنا حاسة إني جارية فيه مش إنسانة بتحترم طموحها ومستقبلها وأرجع بيت أهلي اللي كنت ملكة فيه ..
رد عمر بذهوووول: إييييييييه؟ بتبيعيني يا سارة؟ وكمان عاوزة تسيبي البيت؟ على العموم إنتي حرة بس إفتكري إنتي اللي بعتيني وأنا مش ح اشتريكي ..
لم أستطع الأنتظار أكثر من هذا وأحسست أن كرامتي ذبحت، فقمت ارتديت طرحتي وخطفت حقيبة يدي وجريت على باب الشقة وعمر ينظر لي، ولكنه صامت لا ينادي عليّ .. فألقيت عليه نظرة أخيرة وتركت بيتي وأغلقت ورائي الباب بعنف ..

لا أعرف حتى الآن كيف وصلت بيت والدي؟ .. أكيد كان كل الشارع بيتفرج عليّا!! وسواق التاكسي اللي ركبت معاه كان رجل عجوز وطيب، أخذ يهدأ فيّا وهو يراني أبكي بحرقة دون أن يعلم بما حدث .. ولكن واضح أن شكلي كان في منتهى التعب والبهدلة .. كده برضه يا عمر أهون عليك أسيب البيت؟ وحتى لا يكلف نفسه أن يبقيني أو يتحايل عليّ .. الله يسامحك ..
واضح إن الحب اللي كان بيقولّي عليه كله كلام في كلام .. خلاص. . أنا كمان ليّا أهل ياخدوا لي حقي علشان يعرف قيمتي ..

قــال عمــر:
حتى الآن لا أستطيع تصديق ما حدث .. سارة تسيب البيت؟ .. وليه ده كله؟!!.. أنا مش شايف إني غلطت في حاجة .. هيّ اللي قعدت تصرخ زي المجانين وتذلّني كل دقيقة إنها بتساعدني في البيت .. دي حاجة خلاص تجنن .. مش قادر أستحمل الذل ده بعد كده .. لا وكمان تبيعني وتختار الشغل، وتسيب البيت، وفاكراني حاجري وراها .. لأ خلّيها .. ولمّا تعرف قيمة بيتها وزوجها ح ترجع لوحدها وغصب عنها كمان ..

 -----------------


الخميس، 19 يوليو 2012

يوميات اتنين متزوجين (عمر وسارة ) - الحلقة الحادية عشر


يوميات اتنين متزوجين  (عمر وسارة ) - الحلقة الحادية عشر
قـالت سـارة:
مشاعر كثيرة متضاربة تجتاحني .. فرح وسعادة عارمة، وخوف وقلق وتوتر، وضوضاء جميلة تغمر كل مشاعري .. لا أعرف ماذا أفعل؟ .. كيف سأخبر عمر؟ وهل سيفرح؟ أكاد أطير من السعادة، وأرقص من النشوة .. وأخذت أجري في أنحاء الشقة من فرط سعادتي .. أريد أن أفتح كل الشبابيك والأبواب لأصرخ في الجميع أن الله أعطاني رزقاً واسعاً وجعلني أنثى مكتملة الانوثة ..
هبطتُ بقوة على الكرسي من كثرة حركاتي الجنونية كما أفعل دائماً وأنا ألهث من السعادة .. وتذكرت أنـّني لست وحدي الآن بل يوجد من يشاركني جسدي ويقتسم خلاياي وأنفاسي معي، ولابد من إحترامه واعطاءه حقه بالكف عن هذه الحركات الصبيانية، وهمست له: عفواً يا صغيري .. سأصبح أماً حنوناً لك من الآن ..
أمسكت التليفون وطلبت أمي، ولم تكد تسمع صوتي وهو يرقص من الفرحة، وقبل أن أقول شيئاً صرخت هي: إنتي حامل يا سارة مش كده؟
فرددت وأنا أضحك: إيه ده هي الجزيرة لحقت ذاعتها؟ عرفتي منين يا جميل؟
ضحكت ماما وردت: ألف ألف مبروك .. هو انتي فاكرة إني مش بأحسب معاكي باليوم ولا إيه؟ بس ما كنتش بأحب أوتّرك في حاجة مالكيش يد فيها .. ألف ألف مبروك يا حبيبتي ..
قلت: الله يبارك فيكي يا ماما ..
ماما طبعاً مانسيتش توصيني: بس خلي بالك من نفسك، وبلاش حركات الجنان بتاعتك والجري والتنطيط ده .. خلاص إعقلي ياسارة ح تبقي أم ..
همستُ في سري إنها لو شافت ماتش الجري بتاعي من لحظات كان أغمى عليها فوراً .. طبعاً طبعاً ياماما، ما تقلقيش ..
كمّلت الوصايا: وخلي بالك من أكلك وحركاتك ونومك .. إلخ إلخ إلخ .. وأخذت أمي تسرد وابلاً من النصائح في شتى المجالات .. حتى نمت منها على السماعة .. إن شاء الله لما أخلف ح أهري إبني نصايح علشان أخلّص تاري .. ولكن للحق بعض النصائح النسائية الخاصة لم أكن أعلم عنها شيئا .. ده أنا كنت ح أبهدل الدنيا .. ربنا يخليكي لي يا ماما ..
وأجريت مكالمة مماثلة مع حماتي لأنها كانت زعلانة من آخر مرة أخبرتها بذوق ألا تتدخل في شؤوني الخاصة .. وللحق هي طارت من الفرحة، وأسلوبها معي كان أسلوب أم بحق .. وأشعرتني بحنانها لأول مرة .. وأنهيت المكالمة وأخذت أحضر الغداء، وفكرت في طريقة أخبر عمر بها .. فكرت طويلاً .. وأخيراً وجدتها ..

جاء عمر واستقبلته بشكل طبيعي جداً وأنا أكاد أنطق له بالسر في كل لحظة .. ولكني تماسكت وأعددت الغداء في هدووووووووء، وجلسنا عادي جدااااااااا .. وبدأ يأكل ..
لاحظ أنـّني وضعت طبقاً وملعقةَ وشوكةَ إضافيين .. فسألني في دهشة: إنتي مزودة طبق ثالث ليه؟ فيه حد جاي؟
فرددت في غموض: أيوة ..
عمر: طيب مش تقولي يا بنتي .. وسايباني آكل كده ..
أنا: لا مش مشكلة، ما هو مش غريب ..
عمر: مين؟ .. ماما ولا بابا ولا حد من إخواتك؟
فرددت بهدوء يفرس: لأ ..
قال وقد نفذ صبره: هو احنا في رمضان ولا حاجة؟ إيه الفوازير دي؟! .. طيب نستنى ولا ناكل؟ أنا ح اموت من الجوع ..
فرددت وأنا أبتسم إبتسامة أودعتها كل أنوثتي: لا ياحبيبي، كل إنت بالهنا والشفا .. ماهو مش معقول أسيبك تستنى 9 شهور ..
فنظر إليّ بدهشة وعدم فهم في البداية .. ثم نظر إليّ بعدم تصديق .. وأخيييييرا نطق وهو غير مصدق: سارة إنتي .. إنتي .. حامل؟
فهززت رأسي بالإيجاب وأنا أتوقع رد فعله أن يقفز من الفرح ويحملني و... و... و... ولكنـّني فوجئت بآخر رد فعل كنت أتوقعه على الإطلاق .. رأيت دموعاً في عينيه لأول مرة في حياتي .. كانت أوّل مرة أراه يبكي .. دموعٌ غزيرة شاكرة مبتهلة .. لا أستطيع تصديق هذا أبداً .. كنت أعتقد أنّ الموضوع لا يشغله مثلي، ولكن واضح أنه كان يخفي انفعالاته كي لا يزيد همـّي .. يا حبيبي يا عمر ..
فقمت من مكاني واحتضنت رأسه، وأخذت أمسح دموعه وأنا أقبـّل رأسه وأبكي أنا الأخرى .. وأخيراً تمالك نفسه وابتسم وقال لي: خلاص بقى إيه الغم ده .. ألف مبروك يا حبيبتي .. كده برضه؟ مش تقوليلي من أول ما دخلت ولاّ تكلميني على الموبيل .. يا قلبك يا شيخة ..
فضحكت وأنا أسأله: يعني فرحان يا حبيبي؟
رد عمر وقال: بجد إحساسي لا يوصف .. يااااه .. ده أنا كنت قلقان بشكل .. وكنت أدعو الله ليلاً ونهاراً .. بس كنت مش بارضى أقولك علشان ما أزودش توترك .. يالاّ ياسارة، قومي إتوضي وتعالي نسجد شكر لله على الهبة اللي وهبها لنا  (وسجدنا أنا وهو .. وأخذ يدعو وأنا أؤمن على دعائه، وأرتجف في داخلي من دعاءه العميق المبلل بدموعه الشاكرة المبتهلة، وهو يشكر الله على عطائه الكريم، ويصفنا في الدعاء أنا وهو لأول مرة بالأب والأم، وليس بالزوج والزوجة، ويسأل الله أن يحفظ لنا وليدنا ويشب في طاعة الله ولا يمسه الشيطان أبداً ..
فرغنا منالدعاء، وجلسنا أنا وهو على الأرض على سجادة الصلاة وكأننا لا نريد أن نخرج من روحانية الصلاة والدعاء .. ورأيت عمر يتأملني بحب وهو يهمس لي: ألف مبروك يا حبيبة قلبي .. لو تعرفي غلاوتك زادت عندي ازاي؟
قلت في سعادة: ياسيدي يا سيدي على الحنيّة .. إيه الهنا اللي أنا فيه ده؟
عمر: لا والله صحيح .. دلوقتي أنا حاسس إن أنا وإنتي بقينا عيلة بجد .. بس لازم ياسارة نشكر النعمة الكبيرة دي .. حاولي تحافظي على نفسك وبلاش الجري والتنطيط ده يامدام .. مفهوم؟
أنا: يييييييييييييه، أنا سمعت الفيلم ده من ماما من شوية .. وإيه كمان؟
عمر: بصي يا قمر .. فيه حاجة مطلوبة منك طول فترة الحمل تعمليها علشان إبننا ان شاء الله يكون زي ما بنتمنى ..
أنا: إيه هيّ؟
عمر: عاوزك يا ستي ما تسمّعيش إبني غير قرآن طول فترة الحمل .. أنا قرأت كتير إن ده بيؤثر جداً على نفسية الجنين، وبيخليه بعد كده متعلق جداً بالقران .. عاوزك طول مانتي فاضية تقرأي قرأن وبصوت مسموع علشان يشعر ويتأثر بيه .. عاوزك تختمي المصحف كل شهر لو قدرتي .. إتفقنا؟
بهرني طلبه، فأجبت بدون تردد: اتفقنا ..
أضاف قائلاً: وفيه حاجة كمان .. الحصالة بتاعتنا الخاصة بالصدقات، من النهاردة سنضع للأستاذ فيها نصيب يومي .. مش برضه راجل ولا إيه؟
أنا: آه راجل طبعاً، ده حاليا في حجم الزيتونة، هو فيه حد قده .. ماشي ياسيدي فيه حاجة تاني؟
عمر: لا خلاص .. قومي بقي علشان أفسحك بالمناسبة السعيدة دي وأشتريلك هدية حلوة .. ولا ح تعملي لنا فيها حامل ودايخة والحوارات دي؟
أنا: لا ياعم .. حامل مين إنت بتصدق؟ حالبس في ثواني، بس إنت ماتغيرش رأيك .. حتوديني فين يا أبو العيال؟
ضحك على اللقب وقال: المكان اللي تشاوري عليه يا أم عتريس .. بس الأول أنا كنت ندرت إن لما ربنا يكرمنا بإبننا إن أول مكان نروحه أنا وإنتي وهو يبقي للجامع .. موافقة نروح نصلي ركعتين ونطلع مبلغ صدقة لله؟
أنا: طبعاً موافقة جداً جداً جداً جداً ..
****************
ونلتقي في الحلقة القادمة ,,,,,,,,,,,, انتظرووووووناااااااااا